إدارة المرافق بين القيم، والأخلاق، وكسب المال، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية

في كل شركة ناجحة، هناك مَن يُفكر في الاستراتيجية، ومَن يُنفذ العمليات، ومَن يُدير المال.
لكن هناك دائمًا من يعمل في الظل من يضمن أن تستمر العجلة في الدوران دون أن يشعر به أحد. هذا هو عالم إدارة المرافق العالم الذي يربط بين الرؤية والتنفيذ، بين الإنسان والمكان، بين الجودة والتكلفة.

كثيرًا ما يتم اختزال إدارة المرافق في بند تشغيلي أو داعم، بينما هي في حقيقتها صمّام الأمان للمنظمات التي تطمح إلى الاستدامة، والربحية، والتفوق.
لكن التحدي الأكبر ليس في الإدارة ذاتها، بل في كيف نمارسها؟
هل نمارسها كأداة لخفض التكاليف؟ أم كمنصة لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى؟
هل نسمح للقيم والأخلاق أن تكون جزءًا من القرارات؟ أم نُدير المرافق بعقلية المقاول لا بعقلية القائد؟

الخبرة العملية علّمتني أن إدارة المرافق التي تنفصل عن القيم سرعان ما تنفصل عن النجاح.
وأن من يظن أن الأرباح تتعارض مع الأخلاق، لم يفهم بعد قواعد اللعبة الحقيقية.
فالربح المستدام لا يأتي من تقليل عدد الفنيين، بل من رفع كفاءتهم.
ولا يأتي من إطفاء الإنارة فقط، بل من تصميم أنظمة ذكية تُحسن استهلاك الطاقة دون المساس براحة المستخدم.

في هذا المقال، سأشاركك رؤيتي على مدار 21 عامًا في هذا القطاع الناتجية من قصص واقعية، ونماذج عالمية، وتجارب عملية في مشاريع ضخمة تمتد على مساحات شاسعة وتحتضن آلاف الأشخاص.

ستكتشف أن القيم ليست مثالية، بل ضرورة.
وأن الأخلاق ليست عبئًا، بل ميزة تنافسية.
وأن المال ليس الغاية، بل النتيجة.
وأن الأهداف الاستراتيجية ليست شعارات، بل مسؤولية يمكن لإدارة المرافق أن تقودها بثقة.

أولًا: القيم والأخلاق هي البوصلة الخفية للقرارات الصائبة

في عام 2020، نشرت شركة JLL العالمية دراسة أظهرت أن المؤسسات التي تتبنّى ممارسات أخلاقية واضحة في إدارة المرافق قلّ لديها النزاع بنسبة 43%.
في كل مرة تختار فيها الشفافية على السرعة، والأمانة على المجاملة، والعدالة على التحيّز فأنت تضع حجر الأساس لثقة تدوم.

 الأخلاق ليست عبئًا الأخلاق ميزة تنافسية في عالم مليء بالحلول المؤقتة.

 ثانيًا: كسب المال هو النتيجة وليست الغاية

العديد من الشركات تفترض أن خفض التكاليف هو الطريق الأسرع للربح، لكن النماذج الحديثة في FM تُثبت أن الربح الحقيقي يأتي من:

  • إدارة دورة حياة الأصول بكفاءة (Lifecycle Costing)

  • الحد من الأعطال من خلال الوقاية وليس ردّ الفعل

  • تقليل المخاطر عبر وضوح العقود وشفافية العلاقة مع الموردين

 على سبيل المثال، استطاعت شركة Procter & Gamble تحقيق وفر سنوي يتجاوز 1.2 مليون دولار عبر تطبيق نموذج TFM قائم على المبادئ الأخلاقية والشفافية.

 ثالثًا: تحقيق الأهداف الاستراتيجية من الدعم إلى القيادة

عندما تكون إدارة المرافق جزءًا من الهدف وليس مجرد أداة تشغيل، تبدأ النتائج في الظهور:

  • تحقيق أهداف الاستدامة البيئية (ESG)

  • تحسين تجربة المستخدم داخل العقارات

  • دعم بيئة عمل محفّزة تزيد من إنتاجية الموظفين

  • تعزيز الجاهزية التشغيلية للأزمات

 وفقًا لدراسة من Harvard Business Review، 68% من الاستراتيجيات تفشل بسبب عدم ترجمتها إلى واقع تشغيلي .وهنا يأتي دور إدارة المرافق كـ المترجم الميداني للاستراتيجية.

 دراسة حالةمطار شانغي – سنغافورة

أحد أفضل نماذج الدمج بين الأخلاق، الربحية، والاستراتيجية.
ما يميّز مطار شانغي ليس فقط التكنولوجيا أو التصميم، بل:

  • التزام صارم بمعايير الجودة

  • احترام كامل لكرامة الزوار والعاملين

  • شراكات قائمة على الثقة والاستدامة

النتيجة:
رضا المستخدمين تجاوز 92% مع تحقيق كفاءة تشغيلية واستثمار طويل المدى في السمعة والمكانة العالمية.

 خلاصة رؤيتي التي احب ان تنقل لجمبع العاملين والمهتمين بمجال ادارة المرافق:

في مجال إدارة المرافق، لا تعني الاحترافية مجرد تخفيض التكاليف أو تحسين العقود بل تعني خلق قيمة حقيقية تربط بين الإنسان، والمكان، والربح، والاستراتيجية.

لقد تعلّمت عبر أكثر من عقدين في هذا القطاع أن الاستدامة لا تُبنى بالأدوات فقط، بل تُبنى بالعقول التي تؤمن بالقيم، وتتصرف بأخلاق، وتفكر برؤية استراتيجية بدون استراتيجية، لا وجود لإدارة مرافق حقيقية.
فكل نشاط تشغيلي يجب أن يكون مرتبطًا بهدف أوسع هدف يخدم الكيان المؤسسي، ويعزز تجربة المستخدم، ويطيل عمر الأصول، ويقلل المخاطر، ويرفع من قيمة العقار.

ولهذا، أدعو كل من يعمل أو يهتم بإدارة المرافق إلى أن يتبنى هذا الإطار المتكامل:

  • قيم تقود القرار
  • أخلاق تحكم العلاقة
  • ربحية ذكية مستدامة
  • أهداف استراتيجية واقعية وقابلة للقياس

عندما تتحقق هذه المعادلة، تتحول إدارة المرافق من وظيفة تشغيلية خلف الكواليس إلى قوة استراتيجية مؤثرة في مستقبل الكيان الذي تديره.

هذه هي الرسالة التي أؤمن بها وهذه هي الرؤية التي أتمنى أن يتبناها كل محترف في هذا القطاع.

كما احب أن أتقدّم بخالص الشكر إلى Middle East Facility Management Association – MEFMA على توفير هذه المنصة الفكرية الغنية التي تتيح لنا تبادل المعرفة وبناء مجتمع مهني قوي في منطقتنا.

وشكر خاص للمهندس علي السويدي على قيادته الملهمة ودوره الريادي في رفع مستوى الوعي بأهمية إدارة المرافق كمكوّن استراتيجي في مستقبل المنطقة

 

10/07/2025

YASSER ZAKARIA